إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
من كتاب المواهب الجلية في المسائل الفقهية للشيخ عبد الرحمن السعدي
13499 مشاهدة
العدد الذي تصح معه الجمعة

...............................................................................


ذكر بعد ذلك العدد الذي تصح بهم الجمعة، الفقهاء يقولون: لا بد من أربعين، إذا نقصوا عن أربعين يصلون ظهرا هكذا في كتب الفقهاء غالبا، وقالوا: إن الجمعة مشتقة من الجمع الذي هو كثرة العدد، فإذا كانوا قليلا فلا يُسمون جمعًا، بل يصيرون جماعة، فيصلون ظهرا، واستدلوا أيضا بحديث عن كعب بن مالك ولكنه واقعةُ عَينٍ، يقول: إن أول جمعة أقيمت في المدينة في هزم النبيت جمع بهم أسعد بن زرارة بعد أن هاجر إليهم بعض المهاجرين فاجتمعوا وصلوا جمعة. ثم استمروا بعد ذلك.
فهذا يقول: كم كنتم؟ قال: كنا أربعين أو نحو أربعين أو فوق الأربعين، ولكن ما قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تجمعوا إلا إذا كنتم أربعين، بل أطلق ذلك؛ يعني الجمعة.
وقد أمر الله تعالى بالإتيان إليها، قال تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ولم يقل إذا كنتم أربعين، ولم يحدد العدد.
اختُلف في العدد الذي تنعقد بهم الجمعة، فأكثر الفقهاء على أنه لا بد من الأربعين وما زاد، هذا دليلهم حديث كعب وكذلك أيضا تعليلهم بأن الجمعة مشتقة من الجمع.
والقول الثاني: أنها تصح باثني عشر، قالوا: إن في حديث جابر في سبب نزول قول الله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا قالوا: إنهم لما سمعوا خبر تلك التجارة خرجوا ولم يبق إلا اثنا عشر، ولكن إنهم قد رجعوا؛ بعدما سمعوا صوت التجارة، خرج كثير -يمكن خرج ثلاثة الأرباع- ثم رجعوا بعدما رأوا ما رأوا، وأتموا صلاتهم.
فلذلك قال بعضهم، أو ذهب بعضهم؛ كالمالكية إلى أنها تصح باثني عشر، وذهب آخرون ومنهم شيخ الإسلام إلى أنها تصح بثلاثة، حُكي هذا القول عنه كما في الاختيارات، وكما نقل ذلك صاحب الإنصاف وإن كان اعتماده على الاختيارات.
ولكن ما رأينا في كلامه ما يدل صراحة على ذلك، بل إن له رسالة الماردينيات رسالة أو كتاب اسمه المسائل الماردينيات ذكر فيها: أن صلاة الجمعة يشترط لها العدد الأربعون؛ وذلك بِناءً على أن هذا هو المعتمد، وهذا هو الذي تتابع عليه الفقهاء في المذهب الحنبلي. هذا هو الذي اشتُهِر.
الشيخ هاهنا لم يذكر عددًا، قال: ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في اشتراط الأربعين في الجمعة والعيدين شيء, فالصواب أنه لا يُشترط لهما الأربعون، ولم يذكر العدد الذي تصح بهم الجمعة، حيث إن هناك من قال: لا تصح إلا بأربعين، ومنهم من قال: لا تصح إلا بعشرين وغير ذلك من الأقوال.